الفن الإسلامي
التعريف بالفن الإسلامي
قليلة هي الكتب التي تحدثت عن مفهوم الفن من منطلق إسلامي، ذلك أن هذا الموضوع بمحتواه المتداول الآن لم يكن مطروحاً فيما مضى، بل كان الحديث يتناول كل فن على حدة.وأمر آخر: هو قلة الباحثين الإسلاميين في هذا المضوع، وأكثر الذين كتبوا عن الفن والجمال، إنما كانت كتاباتهم ترجمات لكتب لم تتحدث عن الفن الإسلامي، أو تحدثت وكانت قاصرة على مفاهيم فردية شرقية أو غربية.
وإزاء هذا الأمر، فإن التعاريف للفن الإسلامي قليلة جداً، ويعد ماذهب إليه الأستاذ محمد قطب من أهم ماقيل في هذا الصدد.
جاء في كتاب "منهج الفن الإسلامي ".
" والفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام... إنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زواية التصورالإسلامي لهذا الوجود .
هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان ، من خلال تصورالإسلام للكون والحياة والإنسان.
هو الفن الذي يهيء اللقاء الكامل بين "الجمال" و "الحق". فالجمال حقيقة في هذا الكون ، والحق هو ذرة الجمال. ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود ".
كان ذلك مما جاء في مقدمة الكتاب ، ولم يقل المؤلف أنه يعتمد ذلك على أنه تعريف للفن الإسلامي .
ولكنا نجد في ثنايا الكتاب ، وفي أكثرمن مكان ، التأكيد على مفهوم للفن اختاره المؤلف ، يقول فيه:
" الفن ــ في أشكاله المختلفة ــ هو محاولة البشر لتصوير الإيقاع الذي يتلقونه في حسهم من حقائق الوجود، أو من تصورهم لحقائق الوجود ، في صورة جميلة مؤثرة ".
وقال عن الفن الإسلامي: " إنه التعبير الجميل عن حقائق الوجود من زاوية التصورالإسلامي لهذا الوجود ".
وعلى الرغم مما توصل إليه الأستاذ قطب من تحديد لمفهوم الفن الإسلامي إلا أنه لم يرد أن يعطي ماتوصل إليه لقلب التعريف.
ويحاول الأستاذ محمد شمس الدين صدقي أن يعرفنا بالفن الإسلامي من خلال الحديث عن وظيفة هذا الفن فيقول : " يجب أن يكون نقل أو إيصال أسمى وأفضل القيم والأفكار والمشاعر إلى اللآخرين بأسلوب جميل مؤثر بحيث يوفر عنصر المتعة إضافة إلى التأثيرفي سلوكهم وإرشادهم إلى الصراط الستقيم ".
ويحاول آخرون تعريف الفن الإسلامي عن طريق عدّ مجالات نشاطه.
والحقيقة : أنه ليس من السهل إيجاد أو صياغة تعريف للفن الإسلامي ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كثرة العناصرالتي ينبغي مراعاتها عند تلك الصياغة . وهذا ــ كما أرى ــ ماجعل الأستاذ قطب يلجأ إلى التعريف بالفن الإسلامي ــ لا إلى تعريفه ــ كما رأينا.
----------------------------------------
خصائص الفن الاسلامي
لعل خير وسيلة تعرفنا على الفن الاسلامي ، هي الوقوف على خصائصة الذاتية ، وسماته المتميزة ومن خلال ذالك ، يمكننا استكمال صورته واضحة جلية، بعيد عن كل غبش أو التباس.
ونستطيع اجمال أهم هذه الخصائص بالنقاط التالية:
- يقوم هذا الفن على أساس عقيدة التوحيد ، وعلى تصور كامل للانسان والكون والحياة ، ولذا فلا مجال للباطل من وثنيات وخرافات واوهام وأساطير.
- ميدان الفن الاسلامي لس هو (الضروريات) ولا (الحاجيات) بل هو مجال (التحسينات) أو مايطلق على اسم (الكماليات).
وهذا التحديد لمكانة الفن ضروري ومهم ، حتى توضع الامور في نصابها وحتى لا يحصل خلل في التصور.
- ان وظيفة الفن هي صنع (الجمال) وحين يبتعد الفن عن أداء هذه الوظيفة ، فان حيئذ لا يسمى (فنا) ذلك أنه تخلى عن عملة الاصيل وقد نسميه (مهارات) أو (دقه)..
يقول الاستاذ محمد قطب :
"والفن الاسلامي موكل (بالجمال).. يتتبعه في كل شى ، وكل معنى في هذا الوجود.
الجمال بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حدود الحس ، ولا ينحصر في قلب محدود.
جمال الكون بنجومه وشموسه وما بينها من تجاذب وارتباط.
وجمال الطبيعة بما فية من جبال وأنهار وأضواء وظلال وجوامد واحياء.
وجمال القيم والاوضاع والنظام و الافكار والتنظيمات.
كل ذلك الوان من الجمال يحتفي بها الفن الاسلامي ، ويجعلها مادة أصلية للتعبير.
بل هو يعرض الحياه كلها من خلال المعايير الجمالية، سواء بالسلب أو الايجاب".
- والفن في التصور الاسلامي (وسيلة) لاغاية ، والوسيلة تشرف بشرف الغاية التى تؤدي اليها ، ولذا فليس الفن للفن ،انما الفن في خدمة الحق والفضيلة والعدالة .. وفي سبيل الخير والجمال .
5_ وللفن في التصور الاسلامي (غاية وهدف) اذ كان امر يخلو من ذلك فهو عبث وباطل ، والفن الاسلامي فوق العبث والباطل ، فحياة الانسان ووقته أثمن من أن يكون طعمة للعبث الذي لا طائل تحته.
- ان الغاية التي يهدف الفن الاسلامي الى تحقيقها ، هي ايصال الجمال الى حس المشاهد (المتلقي)، وهي ارتقاء به نحو الاسمى والاعلى والاحسن .. اي نحو الاجمل ، فهي الاتجاه نحو السمو في المشاعر والتطبيق والانتاج ، ورفض للهبوط.
- وكما أن للفن هدفا يسعى اليه ، فان له ايضا (باعثا) يدفع اليه ، هذا الباعث يغذيه جذران . جذر يمتد في اعماق النفس ، اذ من فطرة النفس البشير السعي الى الجمال .. وجذر اخر يغذيه المنهج الاسلامي الذي يهدف الى الجمال .. وهكذا يلتقي ما تصبو اليه النفس مع ماطلبه المنهج.. فاذا الانسان مدفوع الى تحقيق الجمال بفنه بباعث من رغبه النفس وباعث من امر الشرع باتقان العمل واحسانه.
- وللفن شخصيته المستقله ،فليس هو فرعا من الفلسفة ، أوفرع من فروع العلم - وان كان العلم هو بعض مايحتاجة الفنان - ولذا فليس من مهارات الفن البحث عن (الحقيقة) او الكشف عنها. وحينما يطلب اليه ذلك فقد حمل ما لا طاقة له قد يحدث ان يكون الفن في بعض الاحيان طريقا لاكتشاف حقيقة ما ، ولكن هذا ليس مهمة دائمة يكلف بها ؟!.
ان الذين جعلوا اكتشاف الحقيقة من اعراض الفن ، دفعهم الى ذالك تصورهم الخاطئ عن تحديد مكانة الفن ومهمتة .
- والفن الاسلامي ينبع من داخل النفس ، فتجيش به العواطف والاحاسيس ،فإذا به ملء السمع والبصر ، وهو بهذا تعبير التزام وليس صدى لإلزام قهري او ادبي .
- بينا في (الظاهر الجمالي) ان ساحة الجمال هي الوجود كله ، وان الاسلام أوصل الجمال الى مجالات لم تعرفه من قبل ، ونؤكد هنا ان ساحة الجمال نفسها هي ساحة الفن ، وهي ساحة لا تضيقها الحدود ، ولا تحصرها الحواجز ، ذلك أنها ساحة منهج التصور الاسلامي .
- والفن الاسلامي - بعد ذلك - لقاء كامل بين إبداع الموهبة ونتاج العقرية وبين دقه الصنعة ومهارة التنفيذ وحسن الاخراج .إنه اجتماع بين الذكاء المتقد وبين الخبرة والاتقان ، وبهذا يصل الفن الى ذروة الجمال .. إن أحد العنصرين - الموهبة والخبرة - قد يصل بنا الى إنتاج فني ، ولكنهما معا يصلان بنا الى جمال فني .
تلك هي الاساسية العامة التي يرتكز عليها (الفن الاسلامي) بكل فروعه وهذا لايمنع ان يكون لكل نوع منه أسسه الخاصة به، إضافة الى ذلك.
هذه الاسس هي التي جعلت منه فنا متميزا له شخصيته المستقله وكيانه الذاتي.
----------------------------------------
فن الزخرفة
إتجه الفنان المسلم إلى عوالم جديدة بعيدة عن رسم الاشخاص ، وبعيدة ايضا عن محاكاة الطبيعية وهنا عبقريته وتجلي ابداعه ، وعمل خياله ، فأوجد تلك المجالات الجديدة ، بعد ان اعمل فيها حسة المرهف وذوقه الاصيل .
إن الزخرفة واحدة من الوسائل المهمة التي تصنع الجمال ، وهذا مايوضح لنا السر في تبوئها مكان الصدارة بين الفنون الأسلامية الاخرى ، فهي العمل الخالص الذي لا يقصد به الا صنع الجمال ، وهنا يلتقي شكل العمل الفني بمضمونه ليكونا وحدة متماسكة لصنع الجمال ظاهرا وباطنا ،الامر الذي لانكاد نجده في اي نوع آخر من الفنون.
وقد عرف المسلمون بهذا الفن من بين الفنون جميعها ، حتى قيل ا ن الفن الاسلامي فن زخرفي .ذلك انه لايكاد يخلوا اثر اسلامي من زخرفة . - مهما كان شكله - بدءا من الخاتم الذي تحلى به اليد ...وانتهاء بالبناء الضخم الواسع الذي يجمع الآلاف من الناس .
وانما اتجه الفنان المسلم الى هذا الفن لانه وجد فيه بغيته من حيث البعد عن دائرة الحظر في المنهج الاسلامي . فهو بعيد عن التشخيص بطبيعته ، واستطاع الفنان المسلم بخياله الخصب ان يحقق الامر الاخر وهو البعد عن محاكاة الطبيعة ، وبهذا كان هذا الفن ملائما للمواصفات التي يحددها المنهج الاسلامي .
وتعد العناصر "النباتية" وكذا العناصر "الهندسية" مقومات اساسية في بناء هذا الفن تتعاون مع بعضها تارة ، وتنفرد كل منهما على حدة تارة اخرى . وعلى هذا ؛ فهناك نوعان من الزخرفة :
* الزخرفة النباتية .
* الزخرفة الهندسية .
----------------------------------------
الزخرفة النباتية
تقوم الزخرفة النباتية او ما يسمى "فن التوريق" على زخارف مشكلة من اوراق النبات المختلفة من الزهور المنوعة ، وقد ابزرت باساليب متعددة من افراد ومزاوجة وتقابل وتعانق .. وفي كثير من الاحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة ..متناظرة ..تتكرر بصورة منتظمة .
وقد تأمل الفنان المسلم ونظر في الطبيعة ..فنتعلم واعتبر ، ولكنه باعمال خياله استطاع ان يبتعد بفنه عن تقليدها ، فجاءت هذه التوريقات عملا هندسيا مؤسلبا ، أميت فيه العنصر الحي وساد فيه مبدا التجريد .
وقد انتشر استعمال هذه الزخارف في مجالات المختلفة ، في تزيين الجدران والقباب ، وفي التحف المختلفة نحاسية وزجاجية وخزفية وفي تزيين صفحات الكتب ..وتجليدها ..
"وقد تكون -هذه الزخرفة - ثنائية الاتجاه ، كما هو الغالب في الزخرفة التي نراها عل الحيطان والابواب والسقوف والسجاد والاثاث ، وكذلك في صفحات الكتب واغلفتها ، وقد تكون ثلاثية الاتجاه كما ترى في الاعمدة او العقود ، وفي المقرنصات في اعالي البوابات او جدران القباب ".
وقد عرفت زخارف التوريق في فنون ماقبل الاسلام باشكال مختلفة ، ولكنها - بشهاده غير المسلمين من دارسي الفنون ومؤريخيها - قد اتخذت بعد انتشارها بين فنون المسلمين سمتا اخر ، أساسه التنويع والتتابع ، والتحوير ، خلال انتشار الدعوة الاسلامية .
ان الفنان المسلم لم يبتكر وحدات زخرفية جديدة ، بل استعمل ماوجده بين يديه من وحدات في الفنون السابقة على الاسلام ، إلا أنه رتب هذه الوحدات ترتيبا غير مسبوق ، ولاءم بينها بطريقة مبتكرة ونسق بين اجزائها تنسيقا جعلها تبدو كانها شيء جديد اخترع لأول مرة ، وماهي في حقيقتها كذلك . لقد جمع الفنان المسلم هذه الوحدات الموروثة معا ، ثم صهرها في بوتقته ومزجها بفلسفة وسلط عليها اشعة عبقريته وخيالة ، فخرجت من بين يديه شيئا جديدا مميزا . وبذلك استحقت شرف الانبهاء وحملت اسم الاسلام بعد ان غذيت بلبانه وشبت في مجتمعه
.
الزخرفة الهندسية
برع المسلمون في استعمال الخطوط الهندسية ، وصياغتها في اشكال فنية رائعة ، فظهرت المضلعات المختلفة ، والاشكال النجمية ، والداوئر المتداخلة ..
وقد زينت هذه الزخرفة المباني ، كما وشحت التحف الخشبية والنحاسية ودخلت في صناعة الابواب وزخرفة السقوف .
ولئن كانت هذه الزخارف دليلا على موهبة فنية عظيمة فهي أيضا دليل على علم متقدم بالهندسنة العملية .
والزخرفة الهندسية ذات أهمية خاصة في الفن الأسلامي ،ولعل أهميتها تلك نتيجة لما أشرنا اليه في الزخرفة النباتية ، من حيث مطابقتها للمواصفات التي يقبلها المنهج الأسلامي.
وهذا مايفسر لنا ذلك الأثر الكبير الذي تفرضه على كل الفن الأسلامي أذ أصبح الأسلوب الهندسي واحدا من الأساليب التي طبعت الزخرفة النباتية نفسها بأسلوبها فكثيرا ما جاءت هذه الزخرفة بأخراج هندسي عجيب بل أن الكتابة نفسها - وهي الفن الأسلامي الاّخر - كثيرا ماتفنن في أخراجها الفنان المسلم فجاءت في قوالب هندسية متنوعة الأشكال .
لقد أستطاعت الهندسة أن تفرض سيادتها - في الفن الأسلامي - وذلك بغلبتها على شبق الأشكال كما يقول "جارودي".
ولا يفوتنا هنا أن نذكر ماكان للفرجار من دور في تقدم هذه الزخرفة وسيادتها ، فقد كان للدائرة دور كبير في هذا العطاء غير المحدود من الأشكال يؤكد هذا ويوسع مساحته ملء بعض المساحات وترك غيرها فارغة.
وقد استطاع المسلمون أستخراج أشكال هندسية متنوعه من الدائرة ، منها المسدس والمثمن والمعشر .. وبالتالي المثلث والمربع والمخمس ، ومن تداخل هذه الأشكال مع بعضها وملء بعض المساحات وترك بعضها فارغا نحصل على مالا حصر له من تلك الزخرفات البديعة التي تستوقف العين لتنقل بها رويدا رويدا من الجزء الى الكل ومن كل جزئي الى كل أكبر..
ولقد كان "هنري فوسيون" دقيق التعبير عميق الملاحظة حينما قال:
"ماأخال شيئا يمكنه ان يجرد الحياة من ثوبها الظاهر وينقلنا الى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الأسلامية ، فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على حساب الدقيق قد يتحول الى نوع من الرسوم البيانة لأفكار فلسفية ومعان روحية ، غير أنه ينبغي الا يفوتنا أنه خلال هذا الأطار التجريدي تنطلق حياة متدفقة عبر الخطوط فتؤلف بينها تكوينات تتكاثر وتتزايد ، متفرقة مرة ومجتمعه مرات وكأن هناك روحا هائمة هي التي يصلح لأكثر من تأويل يتوقف على مايصوب عليه المرء نظره ويتأمله منها وجميعها تخفى وتكشف في انواحد عن سر ماتتضمنه من امكانات وطاقات بلا حدود".
[b]
التعريف بالفن الإسلامي
قليلة هي الكتب التي تحدثت عن مفهوم الفن من منطلق إسلامي، ذلك أن هذا الموضوع بمحتواه المتداول الآن لم يكن مطروحاً فيما مضى، بل كان الحديث يتناول كل فن على حدة.وأمر آخر: هو قلة الباحثين الإسلاميين في هذا المضوع، وأكثر الذين كتبوا عن الفن والجمال، إنما كانت كتاباتهم ترجمات لكتب لم تتحدث عن الفن الإسلامي، أو تحدثت وكانت قاصرة على مفاهيم فردية شرقية أو غربية.
وإزاء هذا الأمر، فإن التعاريف للفن الإسلامي قليلة جداً، ويعد ماذهب إليه الأستاذ محمد قطب من أهم ماقيل في هذا الصدد.
جاء في كتاب "منهج الفن الإسلامي ".
" والفن الإسلامي ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام... إنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زواية التصورالإسلامي لهذا الوجود .
هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان ، من خلال تصورالإسلام للكون والحياة والإنسان.
هو الفن الذي يهيء اللقاء الكامل بين "الجمال" و "الحق". فالجمال حقيقة في هذا الكون ، والحق هو ذرة الجمال. ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود ".
كان ذلك مما جاء في مقدمة الكتاب ، ولم يقل المؤلف أنه يعتمد ذلك على أنه تعريف للفن الإسلامي .
ولكنا نجد في ثنايا الكتاب ، وفي أكثرمن مكان ، التأكيد على مفهوم للفن اختاره المؤلف ، يقول فيه:
" الفن ــ في أشكاله المختلفة ــ هو محاولة البشر لتصوير الإيقاع الذي يتلقونه في حسهم من حقائق الوجود، أو من تصورهم لحقائق الوجود ، في صورة جميلة مؤثرة ".
وقال عن الفن الإسلامي: " إنه التعبير الجميل عن حقائق الوجود من زاوية التصورالإسلامي لهذا الوجود ".
وعلى الرغم مما توصل إليه الأستاذ قطب من تحديد لمفهوم الفن الإسلامي إلا أنه لم يرد أن يعطي ماتوصل إليه لقلب التعريف.
ويحاول الأستاذ محمد شمس الدين صدقي أن يعرفنا بالفن الإسلامي من خلال الحديث عن وظيفة هذا الفن فيقول : " يجب أن يكون نقل أو إيصال أسمى وأفضل القيم والأفكار والمشاعر إلى اللآخرين بأسلوب جميل مؤثر بحيث يوفر عنصر المتعة إضافة إلى التأثيرفي سلوكهم وإرشادهم إلى الصراط الستقيم ".
ويحاول آخرون تعريف الفن الإسلامي عن طريق عدّ مجالات نشاطه.
والحقيقة : أنه ليس من السهل إيجاد أو صياغة تعريف للفن الإسلامي ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كثرة العناصرالتي ينبغي مراعاتها عند تلك الصياغة . وهذا ــ كما أرى ــ ماجعل الأستاذ قطب يلجأ إلى التعريف بالفن الإسلامي ــ لا إلى تعريفه ــ كما رأينا.
----------------------------------------
خصائص الفن الاسلامي
لعل خير وسيلة تعرفنا على الفن الاسلامي ، هي الوقوف على خصائصة الذاتية ، وسماته المتميزة ومن خلال ذالك ، يمكننا استكمال صورته واضحة جلية، بعيد عن كل غبش أو التباس.
ونستطيع اجمال أهم هذه الخصائص بالنقاط التالية:
- يقوم هذا الفن على أساس عقيدة التوحيد ، وعلى تصور كامل للانسان والكون والحياة ، ولذا فلا مجال للباطل من وثنيات وخرافات واوهام وأساطير.
- ميدان الفن الاسلامي لس هو (الضروريات) ولا (الحاجيات) بل هو مجال (التحسينات) أو مايطلق على اسم (الكماليات).
وهذا التحديد لمكانة الفن ضروري ومهم ، حتى توضع الامور في نصابها وحتى لا يحصل خلل في التصور.
- ان وظيفة الفن هي صنع (الجمال) وحين يبتعد الفن عن أداء هذه الوظيفة ، فان حيئذ لا يسمى (فنا) ذلك أنه تخلى عن عملة الاصيل وقد نسميه (مهارات) أو (دقه)..
يقول الاستاذ محمد قطب :
"والفن الاسلامي موكل (بالجمال).. يتتبعه في كل شى ، وكل معنى في هذا الوجود.
الجمال بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حدود الحس ، ولا ينحصر في قلب محدود.
جمال الكون بنجومه وشموسه وما بينها من تجاذب وارتباط.
وجمال الطبيعة بما فية من جبال وأنهار وأضواء وظلال وجوامد واحياء.
وجمال القيم والاوضاع والنظام و الافكار والتنظيمات.
كل ذلك الوان من الجمال يحتفي بها الفن الاسلامي ، ويجعلها مادة أصلية للتعبير.
بل هو يعرض الحياه كلها من خلال المعايير الجمالية، سواء بالسلب أو الايجاب".
- والفن في التصور الاسلامي (وسيلة) لاغاية ، والوسيلة تشرف بشرف الغاية التى تؤدي اليها ، ولذا فليس الفن للفن ،انما الفن في خدمة الحق والفضيلة والعدالة .. وفي سبيل الخير والجمال .
5_ وللفن في التصور الاسلامي (غاية وهدف) اذ كان امر يخلو من ذلك فهو عبث وباطل ، والفن الاسلامي فوق العبث والباطل ، فحياة الانسان ووقته أثمن من أن يكون طعمة للعبث الذي لا طائل تحته.
- ان الغاية التي يهدف الفن الاسلامي الى تحقيقها ، هي ايصال الجمال الى حس المشاهد (المتلقي)، وهي ارتقاء به نحو الاسمى والاعلى والاحسن .. اي نحو الاجمل ، فهي الاتجاه نحو السمو في المشاعر والتطبيق والانتاج ، ورفض للهبوط.
- وكما أن للفن هدفا يسعى اليه ، فان له ايضا (باعثا) يدفع اليه ، هذا الباعث يغذيه جذران . جذر يمتد في اعماق النفس ، اذ من فطرة النفس البشير السعي الى الجمال .. وجذر اخر يغذيه المنهج الاسلامي الذي يهدف الى الجمال .. وهكذا يلتقي ما تصبو اليه النفس مع ماطلبه المنهج.. فاذا الانسان مدفوع الى تحقيق الجمال بفنه بباعث من رغبه النفس وباعث من امر الشرع باتقان العمل واحسانه.
- وللفن شخصيته المستقله ،فليس هو فرعا من الفلسفة ، أوفرع من فروع العلم - وان كان العلم هو بعض مايحتاجة الفنان - ولذا فليس من مهارات الفن البحث عن (الحقيقة) او الكشف عنها. وحينما يطلب اليه ذلك فقد حمل ما لا طاقة له قد يحدث ان يكون الفن في بعض الاحيان طريقا لاكتشاف حقيقة ما ، ولكن هذا ليس مهمة دائمة يكلف بها ؟!.
ان الذين جعلوا اكتشاف الحقيقة من اعراض الفن ، دفعهم الى ذالك تصورهم الخاطئ عن تحديد مكانة الفن ومهمتة .
- والفن الاسلامي ينبع من داخل النفس ، فتجيش به العواطف والاحاسيس ،فإذا به ملء السمع والبصر ، وهو بهذا تعبير التزام وليس صدى لإلزام قهري او ادبي .
- بينا في (الظاهر الجمالي) ان ساحة الجمال هي الوجود كله ، وان الاسلام أوصل الجمال الى مجالات لم تعرفه من قبل ، ونؤكد هنا ان ساحة الجمال نفسها هي ساحة الفن ، وهي ساحة لا تضيقها الحدود ، ولا تحصرها الحواجز ، ذلك أنها ساحة منهج التصور الاسلامي .
- والفن الاسلامي - بعد ذلك - لقاء كامل بين إبداع الموهبة ونتاج العقرية وبين دقه الصنعة ومهارة التنفيذ وحسن الاخراج .إنه اجتماع بين الذكاء المتقد وبين الخبرة والاتقان ، وبهذا يصل الفن الى ذروة الجمال .. إن أحد العنصرين - الموهبة والخبرة - قد يصل بنا الى إنتاج فني ، ولكنهما معا يصلان بنا الى جمال فني .
تلك هي الاساسية العامة التي يرتكز عليها (الفن الاسلامي) بكل فروعه وهذا لايمنع ان يكون لكل نوع منه أسسه الخاصة به، إضافة الى ذلك.
هذه الاسس هي التي جعلت منه فنا متميزا له شخصيته المستقله وكيانه الذاتي.
----------------------------------------
فن الزخرفة
إتجه الفنان المسلم إلى عوالم جديدة بعيدة عن رسم الاشخاص ، وبعيدة ايضا عن محاكاة الطبيعية وهنا عبقريته وتجلي ابداعه ، وعمل خياله ، فأوجد تلك المجالات الجديدة ، بعد ان اعمل فيها حسة المرهف وذوقه الاصيل .
إن الزخرفة واحدة من الوسائل المهمة التي تصنع الجمال ، وهذا مايوضح لنا السر في تبوئها مكان الصدارة بين الفنون الأسلامية الاخرى ، فهي العمل الخالص الذي لا يقصد به الا صنع الجمال ، وهنا يلتقي شكل العمل الفني بمضمونه ليكونا وحدة متماسكة لصنع الجمال ظاهرا وباطنا ،الامر الذي لانكاد نجده في اي نوع آخر من الفنون.
وقد عرف المسلمون بهذا الفن من بين الفنون جميعها ، حتى قيل ا ن الفن الاسلامي فن زخرفي .ذلك انه لايكاد يخلوا اثر اسلامي من زخرفة . - مهما كان شكله - بدءا من الخاتم الذي تحلى به اليد ...وانتهاء بالبناء الضخم الواسع الذي يجمع الآلاف من الناس .
وانما اتجه الفنان المسلم الى هذا الفن لانه وجد فيه بغيته من حيث البعد عن دائرة الحظر في المنهج الاسلامي . فهو بعيد عن التشخيص بطبيعته ، واستطاع الفنان المسلم بخياله الخصب ان يحقق الامر الاخر وهو البعد عن محاكاة الطبيعة ، وبهذا كان هذا الفن ملائما للمواصفات التي يحددها المنهج الاسلامي .
وتعد العناصر "النباتية" وكذا العناصر "الهندسية" مقومات اساسية في بناء هذا الفن تتعاون مع بعضها تارة ، وتنفرد كل منهما على حدة تارة اخرى . وعلى هذا ؛ فهناك نوعان من الزخرفة :
* الزخرفة النباتية .
* الزخرفة الهندسية .
----------------------------------------
الزخرفة النباتية
تقوم الزخرفة النباتية او ما يسمى "فن التوريق" على زخارف مشكلة من اوراق النبات المختلفة من الزهور المنوعة ، وقد ابزرت باساليب متعددة من افراد ومزاوجة وتقابل وتعانق .. وفي كثير من الاحيان تكون الوحدة في هذه الزخرفة مؤلفة من مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة ..متناظرة ..تتكرر بصورة منتظمة .
وقد تأمل الفنان المسلم ونظر في الطبيعة ..فنتعلم واعتبر ، ولكنه باعمال خياله استطاع ان يبتعد بفنه عن تقليدها ، فجاءت هذه التوريقات عملا هندسيا مؤسلبا ، أميت فيه العنصر الحي وساد فيه مبدا التجريد .
وقد انتشر استعمال هذه الزخارف في مجالات المختلفة ، في تزيين الجدران والقباب ، وفي التحف المختلفة نحاسية وزجاجية وخزفية وفي تزيين صفحات الكتب ..وتجليدها ..
"وقد تكون -هذه الزخرفة - ثنائية الاتجاه ، كما هو الغالب في الزخرفة التي نراها عل الحيطان والابواب والسقوف والسجاد والاثاث ، وكذلك في صفحات الكتب واغلفتها ، وقد تكون ثلاثية الاتجاه كما ترى في الاعمدة او العقود ، وفي المقرنصات في اعالي البوابات او جدران القباب ".
وقد عرفت زخارف التوريق في فنون ماقبل الاسلام باشكال مختلفة ، ولكنها - بشهاده غير المسلمين من دارسي الفنون ومؤريخيها - قد اتخذت بعد انتشارها بين فنون المسلمين سمتا اخر ، أساسه التنويع والتتابع ، والتحوير ، خلال انتشار الدعوة الاسلامية .
ان الفنان المسلم لم يبتكر وحدات زخرفية جديدة ، بل استعمل ماوجده بين يديه من وحدات في الفنون السابقة على الاسلام ، إلا أنه رتب هذه الوحدات ترتيبا غير مسبوق ، ولاءم بينها بطريقة مبتكرة ونسق بين اجزائها تنسيقا جعلها تبدو كانها شيء جديد اخترع لأول مرة ، وماهي في حقيقتها كذلك . لقد جمع الفنان المسلم هذه الوحدات الموروثة معا ، ثم صهرها في بوتقته ومزجها بفلسفة وسلط عليها اشعة عبقريته وخيالة ، فخرجت من بين يديه شيئا جديدا مميزا . وبذلك استحقت شرف الانبهاء وحملت اسم الاسلام بعد ان غذيت بلبانه وشبت في مجتمعه
.
الزخرفة الهندسية
برع المسلمون في استعمال الخطوط الهندسية ، وصياغتها في اشكال فنية رائعة ، فظهرت المضلعات المختلفة ، والاشكال النجمية ، والداوئر المتداخلة ..
وقد زينت هذه الزخرفة المباني ، كما وشحت التحف الخشبية والنحاسية ودخلت في صناعة الابواب وزخرفة السقوف .
ولئن كانت هذه الزخارف دليلا على موهبة فنية عظيمة فهي أيضا دليل على علم متقدم بالهندسنة العملية .
والزخرفة الهندسية ذات أهمية خاصة في الفن الأسلامي ،ولعل أهميتها تلك نتيجة لما أشرنا اليه في الزخرفة النباتية ، من حيث مطابقتها للمواصفات التي يقبلها المنهج الأسلامي.
وهذا مايفسر لنا ذلك الأثر الكبير الذي تفرضه على كل الفن الأسلامي أذ أصبح الأسلوب الهندسي واحدا من الأساليب التي طبعت الزخرفة النباتية نفسها بأسلوبها فكثيرا ما جاءت هذه الزخرفة بأخراج هندسي عجيب بل أن الكتابة نفسها - وهي الفن الأسلامي الاّخر - كثيرا ماتفنن في أخراجها الفنان المسلم فجاءت في قوالب هندسية متنوعة الأشكال .
لقد أستطاعت الهندسة أن تفرض سيادتها - في الفن الأسلامي - وذلك بغلبتها على شبق الأشكال كما يقول "جارودي".
ولا يفوتنا هنا أن نذكر ماكان للفرجار من دور في تقدم هذه الزخرفة وسيادتها ، فقد كان للدائرة دور كبير في هذا العطاء غير المحدود من الأشكال يؤكد هذا ويوسع مساحته ملء بعض المساحات وترك غيرها فارغة.
وقد استطاع المسلمون أستخراج أشكال هندسية متنوعه من الدائرة ، منها المسدس والمثمن والمعشر .. وبالتالي المثلث والمربع والمخمس ، ومن تداخل هذه الأشكال مع بعضها وملء بعض المساحات وترك بعضها فارغا نحصل على مالا حصر له من تلك الزخرفات البديعة التي تستوقف العين لتنقل بها رويدا رويدا من الجزء الى الكل ومن كل جزئي الى كل أكبر..
ولقد كان "هنري فوسيون" دقيق التعبير عميق الملاحظة حينما قال:
"ماأخال شيئا يمكنه ان يجرد الحياة من ثوبها الظاهر وينقلنا الى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الأسلامية ، فليست هذه التشكيلات سوى ثمرة لتفكير قائم على حساب الدقيق قد يتحول الى نوع من الرسوم البيانة لأفكار فلسفية ومعان روحية ، غير أنه ينبغي الا يفوتنا أنه خلال هذا الأطار التجريدي تنطلق حياة متدفقة عبر الخطوط فتؤلف بينها تكوينات تتكاثر وتتزايد ، متفرقة مرة ومجتمعه مرات وكأن هناك روحا هائمة هي التي يصلح لأكثر من تأويل يتوقف على مايصوب عليه المرء نظره ويتأمله منها وجميعها تخفى وتكشف في انواحد عن سر ماتتضمنه من امكانات وطاقات بلا حدود".
[b]