قصة التوابل
لا تظهر كلمة البهارات في اللغات الأوروبية إلا في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي. وقد سحرت البهارات والتوابل عقول الأوروبيين عندما اكتشفوها لأول مرة. فألوانها الجميلة.
وروائحها القوية، وطعمها الشهي، كل ذلك ساهم في الإعجاب بها والإقبال عليها. والواقع أنها كانت معروفة من قبل القدماء في العصور اليونانية والرومانية، بل وكانوا يستخدمونها في تحنيط الموتى في الحضارة المصرية القديمة.
ومعلوم أن ملكة سبأ «بلقيس» عندما زارت النبي سليمان في القدس جلبت معها كهدية مئة وعشرين رطلاً من الذهب، والبهارات، والجواهر.. هذا ما تقوله الأسطورة على الأقل. وأما الفينيقيون الماهرون في التجارة فقد وصلوا إلى الهند بحثاً عن البهارات والتوابل. وكانوا يشترونها ثم يبيعونها بعدئذ للفراعنة أو المصريين القدماء.
وكان ذلك في القرن الرابع عشر قبل الميلاد! ثم جاء عهد الامبراطورية الرومانية التي احتلت عرض البحر الأبيض المتوسط كله وساهمت في اكتشاف الطرق التي تؤدي إلى التوابل والبهارات. ومعلوم أن كليوباترا استخدمتها في الطهي لكي تجذب يوليوس قيصر. وقد انتشر الزعفران بكميات كبيرة في شوارع روما احتفالاً بدخول الامبراطور نيرون إليها.
وكان الرومانيون يقبلون بشدة على هذه البهارات التي تشهّي الطعام وتجعل مذاقه محبباً إلى النفس. ولكنهم كانوا أحياناً يتناولون كميات كبيرة من الفلفل والتوابل مع الأكل، وهذا إفراط لا ضرورة له.
وفيما بعد راحت الامبراطورية الفارسية تنافس الامبراطورية البيزنطية على تجارة التوابل والفلفل والبهارات. ومعلوم أن قبيلة قريش كانت تتاجر بها أيضاً في القرن السادس بعد الميلاد. وكانت القوافل تنطلق من مكة إلى مختلف البلدان لشرائها ثم لبيعها لاحقاً.
وفي القرون الوسطى، وبدءاً من القرن العاشر الميلادي، راحت الحملات الصليبية على الشرق تهتم أيضاً بالبهارات والتوابل. وقد اكتشفت الطرق التجارية المؤدية إليها، وراحت تشتريها أوتستولي عليها بالقوة وتجيء بها إلى أوروبا لكي يستمتع بها الكبار على مائدة طعامهم. والتجارة بها كانت تدر ربحاً كبيراً على أصحابها.
وكانت سفن إيطاليا والبندقية وجنوة تحملها معها من مدائن الشرق إلى أسواق مدينة ليون الكبيرة. وهي المدينة الثانية في فرنسا من حيث الأهمية.
ولكنها كانت تنقلها أيضاً عن طريق ميناء مارسيليا ومونبيلييه. وفي ذلك الوقت كان الخمر القادم من إيطاليا وأسبانيا يُعطَّر برائحة البهارات والتوابل.
ولكن قيمة التوابل والبهارات وبخاصة الفلفل كانت كبيرة إلى درجة أنها كانت صعبة المنال بالنسبة للناس العاديين. وكان الأمراء والأغنياء هم وحدهم القادرون على شرائها.
وأصبحت البهارات تستخدم كعقاقير طبية مثلما تستخدم في التغذية من أجل أن تصبح طيبة وشهية. وبالتالي فقد أصبحت الحوانيت التي تبيعها عبارة عن صيدليات وحوانيت في ذات الوقت. فقد كانوا يعتقدون بأنها تشفي من بعض الأمراض أو تساعد على الشفاء.
وأصبحت منطقة مارسيليا هي مركز تجارة التوابل في القرون الوسطى. ومعلوم أن التوابل كانت تصل من الإسكندرية في مصر إلى ميناء مارسيليا عن طريق التجار الإيطاليين الذين يتعاملون مع العرب. وكان الجميع يربحون أموالاً طائلة من جرّاء ذلك.
ثم ابتدأ البحارة البرتغاليون في السفر إلى شواطئ أفريقيا السوداء بحثاً عن التوابل من فلفل أسود وزعفران، وزنجبيل، وكبش القرنفل، والقرفة، وجوزة الطيب، إلخ.
أما كريستوف كولومبوس فقد انطلق عام 1492 في سفينته بحثاً عن الذهب والتوابل. وكان يأمل بذلك أن يصل إلى شواطئ الهند. ومعلوم أن تلك البلاد مشهورة بزراعة التوابل والبهارات وأنها تصدرها للعالم كله.
وكان الإسبانيون والبرتغاليون يريدون السيطرة على الطرق التجارية للتوابل والبهارات. كما وكانوا يريدون أن يكسروا احتكار التجار العرب لهذه المواد الثمينة والمرغوبة من قبل الجميع.
وقد وصل الرحالة البرتغالي فاسكو دي غاما إلى الهند بعد أن عبر رأس الرجاء الصالح عام 1497. وعندما رأه التجار العرب أصيبوا بالدهشة والذهول وسألوه: بالله عليك، كيف استطعت أن تصل إلى هنا؟! وكان ذلك يعني أنهم خافوا على مصالحهم لأنهم عرفوا أن احتكارهم لتجارة التوابل قد انتهى...
وقد رد عليهم التجَّار البرتغاليون: لقد جئنا إلى هنا بحثاً عن المسيحيين والبهارات! والمقصود أنه كان يريد أن يعرف فيما إذا كان هناك مسيحيون أم لا في تلك البلاد النائية، ثم يردف المؤلف قائلاً:
وبعدئذ خلف الإنجليز والهولنديون الإسبانيين والبرتغاليين على تجارة التوابل طيلة القرون الثلاثة التالية، وعندئذ استعمرت إنجلترا الهند وسيطرت على الطرق التجارية للتوابل والبهارات، وهي الطرق التي تربط الشرق الأقصى بأوروبا عن طريق البر بالشرق الأوسط.
وجنى الإنجليز ثروات كبيرة من جراء ذلك، ولكن أسعار البهارات والتوابل انخفضت بعدئذ بسبب القيام بزراعتها في أماكن أخرى غير الهند والشرق الأقصى.
لقد مر زمن كانت فيه البهارات غالية جداً وبثمن الذهب والجواهر الكريمة نفسه، ولذلك تنافست عليها الدول الأوروبية العظمى.
بل وكان التجار العرب يتنافسون مع تجار البندقية والبرتغال وهولندا على هذه السلع ذات الروائح العطرة والطيبة، والجميع حاولوا السيطرة على طريق الهند من أجل احتكار هذه التجارة التي تدر ربحاً كبيراً على من يحظى بها ولهذا السبب حصل التنافس بين بريطانيا وفرنسا على طريق الهند من خلال استعمار مصر.
والتوابل والبهارات هي عبارة عن مواد عطرة ذات أصل نباتي، وهي تنمو وتنتعش عادة في المناطق الاستوائية كالهند وإندونيسيا وجنوب غرب آسيا. كما وتنمو في مناطق المكسيك والبيرو وجزر الانتيل.
وفي العصور القديمة كان الآشوريون في منطقة وادي الرافدين يستخدمون التوابل والبهارات في الطعام لكي يصبح شهياً وذا رائحة طيبة. كما وكانوا يستخدمونها في العلاج الطبي لشفاء بعض الأمراض.
وقد كان التجار العرب أول من نقل البهارات من الصين والهند نحو الغرب الأوروبي. وكانوا متحالفين آنذاك مع تجار البندقية الشيء الذي أتاح لهم أن يشكلوا قوة بحرية لا يستهان بها.
وقد لعبوا دوراً كبيراً في حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فالعلاقات بين العرب وأوروبا لم تنقطع على الرغم من كل ما حصل من حروب صليبية وسواها.
وبدءاً من القرن الخامس عشر عبر البحارة الإيطاليون رأس الرجاء الصالح كما قلنا وانطلقوا لفتح أسواق تلك التجارة ذات المردود الكبير، ووصلوا إلى شواطئ أفريقيا والهند والجزر..
وفي القرن السابع عشر جاء دور التجار الهولنديين الذين سيطروا على قطاعات واسعة من تجارة التوابل والبهارات. بل واستعمروا الكثير من مناطق الشرق الأقصى والجزر المليئة بهذا النوع من الأعشاب. وهكذا نلاحظ أن السيطرة على هذه المواد الثمينة كانت أحد أسباب الاستعمار.
وهذا ما فعله الإنجليز عندما أسسوا شركة الهند الشرقية للسيطرة على سلع الهند والمتاجرة بها. ثم انتهى بهم الأمر إلى استعمار الهند كلها، وعندئذ شكلوا امبراطورية شاسعة واسعة لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها.
ثم جاء الفرنسيون لكي ينافسوهم على هذه التجارة. ففي عام 1654 وصل التجار الفرنسيون إلى جزر الهند وأنشأوا هناك بعض المكاتب التجارية، وكان ذلك في عهد الوزير كولبير والملك الشهير لويس الرابع عشر.
ومعلوم أن الإنجليز والفرنسيين كانوا يتنافسون على استعمار العالم القديم. وكثيراً ما حصلت الحروب بينهم، وفي بعض الأحيان كان الفرنسيون هم الذين ينتصرون على الإنكليز، ولكن في معظم الأحيان كان يحصل العكس.
ولكي يكسر الفرنسيون احتكار الإنجليز لتجارة البهارات والتوابل فإنهم راحوا يزرعونها في الجزر التي سيطروا عليها والتي يتناسب مناخها مع هذه الحشائش أو النباتات. ومن بين هذه الجزر نذكر مدغشقر، وجزيرة موريشيوس، وسواهما.
ولكن ينبغي الاعتراف بأن الإنجليز كانوا يهيمنون على تجارة البهارات والتوابل في القرن الثامن عشر: أي في الوقت الذي أخذت فيه أسعارها تنخفض. وفي القرن التاسع عشر نلاحظ أن زراعة البهارات والتوابل راحت تتسع وتنتشر في كل مكان تقريباً. ولم تعد محصورة بالشرق الأقصى أو بالجزر الاستوائية.
ولكن إندونيسيا بقيت إحدى البلدان المنتجة بكثرة لهذه المواد، ثم راحت أميركا اللاتينية تحل محلها تدريجياً بعد ذلك. وأما اليوم فلم تعد البهارات والتوابل سلعة نادرة كما كان عليه الحال في السابق. بل أصبحت عادية ومبتذلة، وفي فرنسا نلاحظ أن البهارات الأكثر استهلاكاً من قبل الشعب هي على التوالي: الفلفل، ثم الزنجبيل، والزعفران، والكركم، والفلفل الحلو، أو الفلفل الحار، الخ.
وقد أصبحت متوافرة بكثرة وفي كل مكان، وهنا يكمن الفرق بين العصور القديمة والعصور الحديثة. هذه هي باختصار شديد قصة التوابل والبهارات وقصة البلاد التي تنمو فيها والطرق التجارية التي تؤدي إليها.
Par : جزائريات أصيلات
لا تظهر كلمة البهارات في اللغات الأوروبية إلا في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي. وقد سحرت البهارات والتوابل عقول الأوروبيين عندما اكتشفوها لأول مرة. فألوانها الجميلة.
وروائحها القوية، وطعمها الشهي، كل ذلك ساهم في الإعجاب بها والإقبال عليها. والواقع أنها كانت معروفة من قبل القدماء في العصور اليونانية والرومانية، بل وكانوا يستخدمونها في تحنيط الموتى في الحضارة المصرية القديمة.
ومعلوم أن ملكة سبأ «بلقيس» عندما زارت النبي سليمان في القدس جلبت معها كهدية مئة وعشرين رطلاً من الذهب، والبهارات، والجواهر.. هذا ما تقوله الأسطورة على الأقل. وأما الفينيقيون الماهرون في التجارة فقد وصلوا إلى الهند بحثاً عن البهارات والتوابل. وكانوا يشترونها ثم يبيعونها بعدئذ للفراعنة أو المصريين القدماء.
وكان ذلك في القرن الرابع عشر قبل الميلاد! ثم جاء عهد الامبراطورية الرومانية التي احتلت عرض البحر الأبيض المتوسط كله وساهمت في اكتشاف الطرق التي تؤدي إلى التوابل والبهارات. ومعلوم أن كليوباترا استخدمتها في الطهي لكي تجذب يوليوس قيصر. وقد انتشر الزعفران بكميات كبيرة في شوارع روما احتفالاً بدخول الامبراطور نيرون إليها.
وكان الرومانيون يقبلون بشدة على هذه البهارات التي تشهّي الطعام وتجعل مذاقه محبباً إلى النفس. ولكنهم كانوا أحياناً يتناولون كميات كبيرة من الفلفل والتوابل مع الأكل، وهذا إفراط لا ضرورة له.
وفيما بعد راحت الامبراطورية الفارسية تنافس الامبراطورية البيزنطية على تجارة التوابل والفلفل والبهارات. ومعلوم أن قبيلة قريش كانت تتاجر بها أيضاً في القرن السادس بعد الميلاد. وكانت القوافل تنطلق من مكة إلى مختلف البلدان لشرائها ثم لبيعها لاحقاً.
وفي القرون الوسطى، وبدءاً من القرن العاشر الميلادي، راحت الحملات الصليبية على الشرق تهتم أيضاً بالبهارات والتوابل. وقد اكتشفت الطرق التجارية المؤدية إليها، وراحت تشتريها أوتستولي عليها بالقوة وتجيء بها إلى أوروبا لكي يستمتع بها الكبار على مائدة طعامهم. والتجارة بها كانت تدر ربحاً كبيراً على أصحابها.
وكانت سفن إيطاليا والبندقية وجنوة تحملها معها من مدائن الشرق إلى أسواق مدينة ليون الكبيرة. وهي المدينة الثانية في فرنسا من حيث الأهمية.
ولكنها كانت تنقلها أيضاً عن طريق ميناء مارسيليا ومونبيلييه. وفي ذلك الوقت كان الخمر القادم من إيطاليا وأسبانيا يُعطَّر برائحة البهارات والتوابل.
ولكن قيمة التوابل والبهارات وبخاصة الفلفل كانت كبيرة إلى درجة أنها كانت صعبة المنال بالنسبة للناس العاديين. وكان الأمراء والأغنياء هم وحدهم القادرون على شرائها.
وأصبحت البهارات تستخدم كعقاقير طبية مثلما تستخدم في التغذية من أجل أن تصبح طيبة وشهية. وبالتالي فقد أصبحت الحوانيت التي تبيعها عبارة عن صيدليات وحوانيت في ذات الوقت. فقد كانوا يعتقدون بأنها تشفي من بعض الأمراض أو تساعد على الشفاء.
وأصبحت منطقة مارسيليا هي مركز تجارة التوابل في القرون الوسطى. ومعلوم أن التوابل كانت تصل من الإسكندرية في مصر إلى ميناء مارسيليا عن طريق التجار الإيطاليين الذين يتعاملون مع العرب. وكان الجميع يربحون أموالاً طائلة من جرّاء ذلك.
ثم ابتدأ البحارة البرتغاليون في السفر إلى شواطئ أفريقيا السوداء بحثاً عن التوابل من فلفل أسود وزعفران، وزنجبيل، وكبش القرنفل، والقرفة، وجوزة الطيب، إلخ.
أما كريستوف كولومبوس فقد انطلق عام 1492 في سفينته بحثاً عن الذهب والتوابل. وكان يأمل بذلك أن يصل إلى شواطئ الهند. ومعلوم أن تلك البلاد مشهورة بزراعة التوابل والبهارات وأنها تصدرها للعالم كله.
وكان الإسبانيون والبرتغاليون يريدون السيطرة على الطرق التجارية للتوابل والبهارات. كما وكانوا يريدون أن يكسروا احتكار التجار العرب لهذه المواد الثمينة والمرغوبة من قبل الجميع.
وقد وصل الرحالة البرتغالي فاسكو دي غاما إلى الهند بعد أن عبر رأس الرجاء الصالح عام 1497. وعندما رأه التجار العرب أصيبوا بالدهشة والذهول وسألوه: بالله عليك، كيف استطعت أن تصل إلى هنا؟! وكان ذلك يعني أنهم خافوا على مصالحهم لأنهم عرفوا أن احتكارهم لتجارة التوابل قد انتهى...
وقد رد عليهم التجَّار البرتغاليون: لقد جئنا إلى هنا بحثاً عن المسيحيين والبهارات! والمقصود أنه كان يريد أن يعرف فيما إذا كان هناك مسيحيون أم لا في تلك البلاد النائية، ثم يردف المؤلف قائلاً:
وبعدئذ خلف الإنجليز والهولنديون الإسبانيين والبرتغاليين على تجارة التوابل طيلة القرون الثلاثة التالية، وعندئذ استعمرت إنجلترا الهند وسيطرت على الطرق التجارية للتوابل والبهارات، وهي الطرق التي تربط الشرق الأقصى بأوروبا عن طريق البر بالشرق الأوسط.
وجنى الإنجليز ثروات كبيرة من جراء ذلك، ولكن أسعار البهارات والتوابل انخفضت بعدئذ بسبب القيام بزراعتها في أماكن أخرى غير الهند والشرق الأقصى.
لقد مر زمن كانت فيه البهارات غالية جداً وبثمن الذهب والجواهر الكريمة نفسه، ولذلك تنافست عليها الدول الأوروبية العظمى.
بل وكان التجار العرب يتنافسون مع تجار البندقية والبرتغال وهولندا على هذه السلع ذات الروائح العطرة والطيبة، والجميع حاولوا السيطرة على طريق الهند من أجل احتكار هذه التجارة التي تدر ربحاً كبيراً على من يحظى بها ولهذا السبب حصل التنافس بين بريطانيا وفرنسا على طريق الهند من خلال استعمار مصر.
والتوابل والبهارات هي عبارة عن مواد عطرة ذات أصل نباتي، وهي تنمو وتنتعش عادة في المناطق الاستوائية كالهند وإندونيسيا وجنوب غرب آسيا. كما وتنمو في مناطق المكسيك والبيرو وجزر الانتيل.
وفي العصور القديمة كان الآشوريون في منطقة وادي الرافدين يستخدمون التوابل والبهارات في الطعام لكي يصبح شهياً وذا رائحة طيبة. كما وكانوا يستخدمونها في العلاج الطبي لشفاء بعض الأمراض.
وقد كان التجار العرب أول من نقل البهارات من الصين والهند نحو الغرب الأوروبي. وكانوا متحالفين آنذاك مع تجار البندقية الشيء الذي أتاح لهم أن يشكلوا قوة بحرية لا يستهان بها.
وقد لعبوا دوراً كبيراً في حوض البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فالعلاقات بين العرب وأوروبا لم تنقطع على الرغم من كل ما حصل من حروب صليبية وسواها.
وبدءاً من القرن الخامس عشر عبر البحارة الإيطاليون رأس الرجاء الصالح كما قلنا وانطلقوا لفتح أسواق تلك التجارة ذات المردود الكبير، ووصلوا إلى شواطئ أفريقيا والهند والجزر..
وفي القرن السابع عشر جاء دور التجار الهولنديين الذين سيطروا على قطاعات واسعة من تجارة التوابل والبهارات. بل واستعمروا الكثير من مناطق الشرق الأقصى والجزر المليئة بهذا النوع من الأعشاب. وهكذا نلاحظ أن السيطرة على هذه المواد الثمينة كانت أحد أسباب الاستعمار.
وهذا ما فعله الإنجليز عندما أسسوا شركة الهند الشرقية للسيطرة على سلع الهند والمتاجرة بها. ثم انتهى بهم الأمر إلى استعمار الهند كلها، وعندئذ شكلوا امبراطورية شاسعة واسعة لا تغيب الشمس عن ممتلكاتها.
ثم جاء الفرنسيون لكي ينافسوهم على هذه التجارة. ففي عام 1654 وصل التجار الفرنسيون إلى جزر الهند وأنشأوا هناك بعض المكاتب التجارية، وكان ذلك في عهد الوزير كولبير والملك الشهير لويس الرابع عشر.
ومعلوم أن الإنجليز والفرنسيين كانوا يتنافسون على استعمار العالم القديم. وكثيراً ما حصلت الحروب بينهم، وفي بعض الأحيان كان الفرنسيون هم الذين ينتصرون على الإنكليز، ولكن في معظم الأحيان كان يحصل العكس.
ولكي يكسر الفرنسيون احتكار الإنجليز لتجارة البهارات والتوابل فإنهم راحوا يزرعونها في الجزر التي سيطروا عليها والتي يتناسب مناخها مع هذه الحشائش أو النباتات. ومن بين هذه الجزر نذكر مدغشقر، وجزيرة موريشيوس، وسواهما.
ولكن ينبغي الاعتراف بأن الإنجليز كانوا يهيمنون على تجارة البهارات والتوابل في القرن الثامن عشر: أي في الوقت الذي أخذت فيه أسعارها تنخفض. وفي القرن التاسع عشر نلاحظ أن زراعة البهارات والتوابل راحت تتسع وتنتشر في كل مكان تقريباً. ولم تعد محصورة بالشرق الأقصى أو بالجزر الاستوائية.
ولكن إندونيسيا بقيت إحدى البلدان المنتجة بكثرة لهذه المواد، ثم راحت أميركا اللاتينية تحل محلها تدريجياً بعد ذلك. وأما اليوم فلم تعد البهارات والتوابل سلعة نادرة كما كان عليه الحال في السابق. بل أصبحت عادية ومبتذلة، وفي فرنسا نلاحظ أن البهارات الأكثر استهلاكاً من قبل الشعب هي على التوالي: الفلفل، ثم الزنجبيل، والزعفران، والكركم، والفلفل الحلو، أو الفلفل الحار، الخ.
وقد أصبحت متوافرة بكثرة وفي كل مكان، وهنا يكمن الفرق بين العصور القديمة والعصور الحديثة. هذه هي باختصار شديد قصة التوابل والبهارات وقصة البلاد التي تنمو فيها والطرق التجارية التي تؤدي إليها.
Par : جزائريات أصيلات